عن رواية بيت على الحدود للكاتب البريطاني ويليام هوب هودسن

مُقدمة المترجم

إذا بحثت في قوائم أفضل روايات الخيال والأدب التنبؤي؛ الفانتازيا والخيال العلمي والرعب، وخاصة الروايات المنشورة في صدر القرن العشرين والتي أصبحت مشاعًا عامًا، ستجد أعمال ويليام هوب هودسن (بيت على الحدود) و(أرض الظلام) وسط الترشيحات في كل مرة.

وُلد ويليام هوب هودسن (نوفمبر 1877–أبريل 1918) في إيسيكس بإنجلترا، وهو كاتب بريطاني غزير الإنتاج؛ ألف روايات وقصص قصيرة ومقالات وجمع فيها بين عدة أنواع أدبية مثل الرعب والخيال العلمي والفانتازي وكذلك الرومانسية والمغامرات، أشهر رواياته هي (بيت على الحدود) الموجودة بين دفتي هذا الكتاب والمنشورة عام 1908، ورواية أرض الظلام المنشورة عام 1912، ترجمها محمد الساكت ونشرتها دار زحمة كُتاب، والروايتان تشتركان في إظهار ثيمات فضائية كونية جنبًا إلى جانب ثيمات تتعلق بالبحار، إذ يُعرف هودسن باستخدامه لخبراته البحرية في كتابة قصص أصيلة ومُخيفة تحدث وسط المحيطات وأشهرها سلسلته القصصية (قصص بحر سارجاسو).

اهتم في بداية حياته بالشعر وكذلك اشتهر بمهارته في التصوير الفوتوغرافي وممارسة رياضة كمال الأجسام،
خدم هودسن في الجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الأولى، وقُتل في يبريس ببلجيكا وعمره أربعين عامًا بنيران المدفعية الألمانية.

والده صامويل هودسن قس أنجليكاني، خدم في عدة أبرشيات على مدار عشرين عامًا ما يعني تنقلات كثيرة ومُستمرة للأسرة، ومنهم أبرشية في مقاطعة غالواي بغرب أيرلندا وهي المقاطعة التي ظهرت لاحقًا في رواية بيت على الحدود.

ويليام ثاني أولاد صامويل هودسن، من أصل اثني عشر ولدًا، ثلاثة منهم ماتوا في طفولتهم وهي ثيمة استخدمها هودسن في العديد من أعماله، ومنها قصصه القصيرة: وادي الأطفال الضائعين، وخيول البحر، والباحث في منزل النهاية.

هرب هودسن من مدرسته الداخلية في سن الثالثة عشرة ليعمل بحارًا، قُبض عليه وأُعيد إلى عائلته لكنه تلقى في النهاية إذنًا من والده ليتدرب بشكل مهني على متن سفينة ولمدة أربع سنوات.

توفي والد هودسن بسبب سرطان الحلق تاركًا أسرته فقيرة تعوز المال؛ فاعتمدت الأسرة على الصدقات وإحسان الأغنياء عليهم في حين ابتعد عنهم ويليام واستمر في عمله في البحر، وبعد انتهاء تدريبه المهني عام 1895 بدأ الدراسة لمُدة عامين في ليفربول، تمكن بعدها من اجتياز الاختبارات وتخرج؛ ثم قرر العمل كبحار لسنوات.

أضحى هودسن في عرض البحر هدفًا لا يُقاوم لتنمر البحارة بسبب قصر طوله ووجهه الجميل الحساس، فقاده هذا إلى التمرن لتحسين قدرات جسده والدفاع عن نفسه، وعندما حاولوا ضربه علموا بعد فوات الأوان أنهم يتعاملون مع واحد من أقوى الرجال في كل أنحاء إنجلترا، وقد تناول هودسن موضوع تنمر البحارة الأكبر سنًا على المُتدربين بشكل متكرر في قصصه البحرية.

مارس هودسن أثناء تواجده في البحر تمارين رفع الأثقال والملاكمة والتصوير الفوتوغرافي؛ التقط صورًا للأعاصير والبرق وأسماك القرش والشفق القطبي والديدان التي غزت طعام البحارة، كما مارس هواية جمع الطوابع والرماية والصيد.

وفي عام 1898 حصل على وسام الجمعية الملكية للبطولة الإنسانية لإنقاذه بحارًا آخر سقط في مياه تنتشر فيها أسماك القرش.

وفي العام التالي افتتح مدرسة دبليو إتش هودسن للثقافة البدنية في بلاكبرن بإنجلترا، وقدم أنظمة رياضية مُصممة خصيصًا للتمرن الشخصي، وكان من بين زبائنه أفراد من شرطة بلاكبرن عملوا على ازدياد شهرته، ولِع هودسن بالدعاية لنفسه، ففي عام 1902 ظهر بنفسه على خشبة مسرح ومعه أصفاد وأدوات تقييد أخرى قدمتها إدارة شرطة بلاكبرن لهاري هوديني؛ فنان الهروب من القيود فائق الشهرة، والذي فر قبل ذلك من سجن مدينة بلاكبرن. وأثار سلوكه تجاه هوديني الجدل لأنه واجه صعوبة في إزالة قيوده، واشتكى أن هودسن تلاعب بالأقفال وجرحه عمدًا، وفي أحدى حيله الدعائية كتبت الجريدة المحلية خبرًا عن قيادته لدراجة في شارع به سلالم نازلة شديد الانحدار.

ورغم كل هذا لم يستطع كسب لقمة العيش من إدارة أعماله التدريبية الشخصية، وهي أعمال موسمية بطبيعتها، فقرر إغلاقها وبدأ بعدها يكتب مقالات مثل (الثقافة البدنية مُقابل التدريبات الترفيهية) المنشور عام 1903، وتضمن مقاله (الصحة من التمارين العلمية) صورًا لهودسن نفسه وهو يُمارس التمارين.

تأثر هودسن بمؤلفين كبار مثل إدغار آلان بو، وهيربرت ج. ويلز، وجول فيرن، وآرثر كونان دويل، فيمم انتباهه شطر الخيال، وهكذا نشر قصته القصيرة الأولى، (ربة الموت) عام 1904، ثم قصة (رعب استوائي)، وساهم بكتابة مقالات تناقش حال البحارة في إنجلترا في كُبرى المجلات الإنجليزية وقتها، وألقى كذلك مُحاضرات مدفوعة الأجر عن تجاربه في البحر.

أشرت إلى نشره للقليل من شعره خلال حياته، مثل قصيدة (مادري ميا) المنشورة كإهداء تقديمي لروايته الأولى (قوارب جلين كاريج) المنشورة عام 1907، قبل ذلك بعام نشر مقالًا في مجلة (المؤلف) وأشار فيها إلى قدرة الشعراء على كسب المال عن طريق كتابة نقوش على شواهد القبور في إشارة ساخرة مريرة، وهناك بالطبع قصيدتين قصيرتين نشرهما في مُقدمة ونهاية رواية بيت على الحدود، نشرت أرملته العديد من قصائده في مجموعتين بعد وفاته، ونُشرت حوالي 48 قصيدة في مجموعة صدرت عام 2005 بعنوان (أشعار ويليام هوب هودسن المنسية).

 في عام 1906 نشرت المجلة الأمريكيةThe monthly story  قصته (بحر بلا مد ولا جزر) وهي أول قصص المجموعة (بحر سارجاسو)، وتمكن هودسن من بيع القصص للمجلات الأمريكية وكذلك المجلات البريطانية، وأدار بعناية حقوق أعماله رغبةً في زيادة أجره، ومن أشهر قصصه (عبر دوامة الإعصار) وهي قصة واقعية مستوحاة من تجارب هودسن في البحر، ومُزودة بصور ملونة صورها بنفسه.

عام 1908 نشر قصة خيال علمي ساخرة بعنوان (التاريخ 1965: حرب حديثة) يتهكم فيها على الحروب وبطريقة كتابة سويفتية ساخرة –نسبة إلى جوناثان سويفت مؤلف رحلات جوليفر- ويقترح أن تُشَن الحروب برجالٍ يتقاتلون بأقلام بالسكاكين، وتُستهلك الجثث كطعام للتخلص منها، ومع ذلك فإن الرسائل التي وجهها إلى المُحرر عبرت عن مشاعر وطنية قوية لدى هودسن.

كما نشر قصة الرعب القصيرة (الخروج من العاصفة) ويغرق في نهايتها الراوي بعد أن يستعرض الجوانب المميتة والأهوال المُصاحبة للعواصف البحرية الصاخبة، وقال سام موسكوفيتش عن القصة– وهو ناقد ومؤرخ أمريكي مُختص بأدب الخيال العلمي- إنها تُثبت بكثير من الانطباعات والعواطف كراهية هودسن للبحر رغم كونه شغف حياته، في وقتٍ لاحقٍ نشر هودسن رواية أخرى؛ القراصنة الشبحيون، عن رحلة أخيرة لسفينة تُحاصرها ظواهر بحرية وأرواح قراصنة شبه بشرية يسحبونها إلى مصير مجهول، وقد مدحها لافكرافت بقوله إن فيها تلميحات ذكية عن أخطار وأهوال تكمن في الطبيعة، وإن سرد هودسن يصل أحيانًا إلى قمم قوية يحسده عليها.

وعلى الرغم من النجاح الكبير الذي حققته رواياته لم ينتعش هودسن ماليًا، وفي محاولة لتعزيز دخله من مبيعات القصص القصيرة بدأ العمل على أول شخصياته التي ستظهر باستمرار؛ توماس كارناكي، والذي ظهر في العديد من قصصه المشهورة، نُشر أولها (بوابة الوحش) عام 1910 في مجلة ذا ايدلر المُصورة.

أما أخر رواياته فنُشرت عام 1912 وسماها (أرض الظلام)، وعمل هودسن كذلك على كتابة نسخة رواية قصيرة عن نفس العمل أسماه (حُلم اكس).

تفرع هودسن وكتب في عدة أنواع أدبية ذات صلة، نشر مثلًا (زوجة القاضي باركلي) وهي مُغامرة تحدث في الغرب الأمريكي، وقصة الخيال العلمي (المنسي) عن طبيب عجوز على متن سفينة يُقابل كائنًا بحريًا جديدًا ذو أقدام زائفة، ونشر كذلك قصص حربية أشهرها قصص الكابتن جولت.

في عام 1912 تزوج هودسن من بيتي فارنوورث والمعروفة أيضًا باسم بيسي، وهي موظفة في مجلة هوم نوتس النسائية، أمضيا شهر العسل في جنوب فرنسا واستقرا هناك بسبب انخفاض تكلفة المعيشة، بدأ هودسن عملًا جديدًا بعنوان (كابتن دانج) واستمر كذلك في نشر القصص، ولكن وضعه المالي تعثر باستمرار.

وعندما نشبت الحرب العالمية عاد هودسن مع زوجته إلى إنجلترا وانضم إلى فيلق تدريب الضباط بجامعة لندن رافضًا أن يكون له أي علاقة بالبحرية على الرغم من خبراته، فحصل على رُتبة ملازم في سلاح المدفعية الملكية، وفي عام 1916 سقط من على ظهر حصان وأصيب إصابة بالغة في رأسه وكُسر فكه، فصُرف من الخدمة إلزامًا بحكم القانون، وعاد إلى الكتابة.

وجراء رفضه البقاء على الهامش، تحامل هودسن على نفسه وتعافى بما يكفي لإعادة تجنيده، وكتب مقالات وقصص في ذلك الوقت تعكس تجربته في الحرب، ثم وفي أبريل عام 1918 قُتل بإصابة مُباشرة بقذيفة مدفعية في يبريس ببلجيكا، بعد معركة ملحمية وقصف ألماني شديد، تشير العديد من المواقع المهتمة بتأريخ حياة هودسن وكتاباته إلى يوم السابع عشر أو التاسع عشر من أبريل، ونشروا عدة خطابات من قادته العسكريين توضح إقدامه وبطولته، ونُشر خبر تأبينه في صحيفة التايمز في الثاني من مايو 1918.

طوى النسيان أعمال هودسن لفترة طويلة بعد وفاته، ورغم ذلك ضُمنت قصصه في مجموعات قصصية عديدة منها (إنهم يمشون مُجددًا) إعداد كولين دو لامير المنشورة عام 1931، و(قرن من قصص الرعب) لدينيس ويتلي المنشورة عام 1935، ونشر أُوجست ديرليث –وهو أول ناشر لكتابات هوارد لافكرافت- قصتيه (العثور) و(الخنزير)، بينما شكك بعض النقاد المُختصين بتلك الفترة والنوعية الأدبية في انتماء القصتين لقلم هودسن وأنها تعود في الأصل إلى ديرليث نفسه، هذا الجدال أعاد سيرة هودسن والاهتمام بأعماله إلى الأذهان.

نشرت زوجة هودسن العديد من أعماله بعد وفاته منها أعمال لم يستطع نشرها بنفسه، وبعد وفاتها في 1943 استكملت أخته ليزي هودسن رعاية أعماله.

نُشرت قصته (خُطط الطائرة) المُتعلقة بكابتن جولت لأول مرة عام 1996 في المجموعة القصصية (رعبٌ بحري)، كما أُعيدت طباعة العديد من أعماله لأول مرة منذ نشرهم في خمسة أجزاء عن دار كُتب نايت شيد.

وبالنسبة لحقوق نشر معظم أعمال هودسن فقد سقطت لعدم ملئ الاستمارات المطلوبة، ما عدا أعماله التي نُشرت بعد موته.

يقول الكثيرين من قُراء هودسن، ووجدت هذا في عدة مواضع وخاصةً في موقع جودريدز: ماذا إذا لم يمُت هودسن شابًا؟ ماذا لو استمر في الكتابة بعد نجاته من هجوم المدفعية الألمانية في بلجيكا؟ يُلهمهم –كما ألهمني- خطاب هودسن إلى أمه المنشور في كتاب سام موسكوفيتش (تخيُلات ويليام هوب هودسن غير المُجمعة):

“وجدت الشمس مُنخفضة عندما عدت، ورأيت عبر هذا الخراب البعيد كُتل بلا هيئة مُحددة؛ ربما اتخذوا شكل المُربع لكن بلا زوايا، أقامهم الإنسان ضد العاصفة الجهنمية التي تجتاح الأبد؛ ليل تلو نهار ونهار تلو ليل، ليعبر أكثر سهول الدمار فظاعة. يا إلهي! أتحدث عن عالمٍ ضائعٍ؛ عن نهاية العالم؛ عن (أرض الظلام). أرى كل شيء هُنا، على بعُدٍ مئتي ميل لا أكثر من حيث أجلس بعيدًا نحو الأبدية، وشفقة وحشية لا نهائية تُروع ما أراه من أشياء؛ والحفرة الكبيرة الشبيهة بالقوقعة، يلتصق بها ما يزيد عن ثلاثين صليبًا؛ بعضهم خارج الماء أما معظمهم فمغمورين تحته. إذا عشت وخرجت بطريقة ما من كل هذا (وبالتأكيد -إرضاء لله- سأفعل، آمل ذلك) ما الكتاب الذي سأُدونه إذا لم تهجرني قُدرتي العتيقة على الكتابة بالقلم؟”

عن الرواية

يصعُب تصنيف رواية بيت على الحدود في منطقة أدبية معينة، فهي تجمع بين الفانتازيا والخوارقيات والخيال العلمي والرعب وكذلك الرعب الكوني الشهير في أعمال لافكرافت بل وبعض الرومانسية، ويُمكن وصفها في جملة قصيرة مُخلة طبعًا لحذفها كل التفاصيل المهمة؛ بهلوسة شخص مُنعزل يُقيم في منزل بعيد، والتقاءه بمخلوقاتٍ وأبعادٍ أخرى غير أرضية.

نُشرت الرواية لأول مرة عام 1908 في بريطانيا عن دار تشابمان أن هول ذات المسؤولية المحدودة، والنسخة الأكثر انتشارًا نشرتها دار أركام هاوس في ويسكونسن، وهي الدار المهتمة بنشر أعمال كُتاب الخيال الغرائبي ومن أشهرهم هوارد لافكرافت، أما النُسخة التي اعتدمت عليها في ترجمة النص فهي المعروضة في موقع مشروع جوتنبرج لحفظ أعمال المشاع العام رقميًا.

تحدث العديد من الكُتاب عن روايات هودسن وخاصة بيت على الحدود، ففي عام 1934 أشاد لافكرافت بالرواية في مقاله الطويل (أدب رعب ما وراء الطبيعة)- ترجمه إسلام عماد إلى العربية عن دار دارك- وأنقل لكم ما قاله بتصرف:

تُعد رواية (منزل على الحدود) الصادرة عام 1908 أفضل روايات السيد هودسن على الإطلاق، وتدور حول منزلٍ شرير مُنعزل في ريف أيرلندا يُشكل بؤرة لقوى أخروية شريرة تُحاصره كائنات هجينة ملعونة قادمة من هوة سرية تحت الأرض، ونرى تجول روح الراوي في الفضاء والأبد لملايين السنين الضوئية، ليشهد نهاية المجموعة الشمسية وهو ما يُشكل أمرًا يكاد يكون فريدًا في الآداب المُعتادة، وفي كل موضع نلاحظ ظهور قوة المؤلف وقدرته على الإشارة إلى أهوالٍ غامضة تُفاجئنا بالظهور في مواقف طبيعية عادية، ولولا بعض الأحاسيس المنقولة بتقليدية في متن الرواية لكانت واحدة من أفضل كلاسيكيات الأدب الرفيع..

لافكرافت

أما تيري براتشيت كاتب الفانتازيا الساخر والراحل عام 2015، ومؤلف أكثر من أربعين رواية في سلسلة ديسك وورلد أو العالم القرص فقال عن الرواية إنها:

الانفجار الكبير في كوني الخاص بصفتي قارئ للخيال العلمي والفانتازي ثم كاتب في نفس النوعين الأدبيين..

تيري براتشيت

اشتهر هودسن بكتابة قصصه ورواياته بطريقة (القصة داخل قصة)، ففي بيت على الحدود على سبيل المثال يعثر اثنين من الرحالة على مُذكرات رجلٍ عجوز يسكُن في بيتٍ عتيق برفقة أخته وكلبه بيبر، ويحكي ما شهده من أحداث غريبة تتعلق بالبيت وما حوله من معالم، وفي قصة (المنسي) يحكي الطبيب العجوز ما شهده من أحداث على متن سفينة منذ عدة أعوام.

يُعد الكتاب خروجًا جذريًا عن النموذج المعروف للرواية القوطية المُنتشرة في أواخر القرن التاسع عشر، فهودسن يكتُب رعبًا كونيًا يتمتع بكونه أكثر واقعية بسبب تفصيلاته العلمية التي جعلت أحد القراء يكتب في مُراجعته للرواية في جودريدز أن أسلوبه يُشبه (كارل ساجان إذا عاش في بدايات القرن العشرين)، وأظن أن هذا ما جعل أسلوبه يؤثر على من أصبحوا أشهر كُتاب الخيال والغرائبيات في مُنتصف القرن العشرين، وخاصة لافكرافت وكلارك أشتون سميث، وفي مقالة نقدية نُشرت عام 2009 تتبع  الماقد تشاينا توم ميفيل أثر هودسن على لافكرافت وخاصةً أصول ظهور (المجسات) في وحوش الرعب الكوني اللافكرافتي، لأنها تظهر في رواية هودسن الأولى (قوارب جلين كاريج) الصادرة عام 1907، لكن هُناك دلائل على أن لافكرافت لم يَطلع على أدب هودسن إلا في أواخر أعوامه، في حين أنه طالع قصة (الكونت ماجنس) لإم أر جيمس المنشورة عام  1904في فترة مُبكرة.

ذكر لافكرافت بالاقتران مع هودسن ليس مُصادفة، فكل قارئ لأعمالهم سيكتشف تأثر لافكرافت- المعروف بلقب أبو أدب الرعب المُعاصر- بهودسن وخاصة في أعماله الأخيرة، بل ويَدعي بعض القراء أن ما يُسمى في أدب الرعب بالرعب اللافكرافتي Lovecraftian horror يجب إعادة تسميته بالرعب الهودسني hodgsonian Horror، وأرى أن عقل هودسن احتوى على العديد من الأفكار التي كتبها لافكرافت لاحقًا، وهنا نتحدث عن الأفكار والحبكات لأن الفرق الأسلوبي يتضح بسهولة عند قراءة أعمال الكاتبين.

لاحظت كذلك أثناء قراءة كتابات هودسن، وخاصة في الثلث الثاني من رواية بيت على الحدود، تأثر د. رؤوف وصفي صاحب سلسلة نوفا- المُختصة بقصص الخيال العلمي العربي والمُترجم والصادرة عن المؤسسة العربية الحديثة- بأسلوب هودسن في ربط الثيمات الرومانسية وفقد الحبيب بالخيال العلمي والماورائيات، في الحقيقة شعرت في لحظة من اللحظات أن د. رؤوف هو من كتب هذا المقطع من الرواية؛ دليلٌ أخر على تأثير هودسن وأسلوبه على العديد من الكُتاب على مر الزمان الأدبي.

يسرد هودسن في العديد من المواضع مُشاهدات ومشاعر الراوي باستفاضة مُملة في كثير من الأحيان، ربما كان هذا مُناسبًا في عصره ولكن الاتجاهات الأدبية المُعاصرة تتجه نحو التكثيف أو كما يُقال (خير الكلام ما قل ودل)، ولهذا عمدتُ إلى اختصار المواضع التي رأيت أنها تُكرر ما سبق للكاتب ذكره رغبة مني في إدخال القارئ في عمق الحدث ومُحاولة ألا يُصيبه الملل من الوصف المُفرط، أيضًا هُناك مجموعة من الحواشي والملاحظات في نهاية المخطوطة أضافها من عثر عليها لتوضيح ما خفي على الفهم في النص، فحذفت غير المهم منها وأبقيت ما يشرح المُبهم من كلام الراوي.

ومن بين مشاهير المُبدعين المُتأثرين بهودسن، يعترف المخرج جييرمو ديل تيرو- مُخرج الفيلمين الفائزين بجوائز أوسكار لأفضل فيلم وأفضل مُخرج والعديد من الجوائز الأخرى: متاهة بان وشكل الماء- بتأثره بهودسن في عدة مواضع، ففي معرض تعليقه على إخراجه لفيلم بليد 2 قال أن من بين كُتابه المُفضلين راي برادبري وكلارك أشتون سميث وويليام هوب هودسن، وغرد على تويتر عام 2015 قائلًا:

كتاب بيت على الحدود لويليام هوب هودسن، معشوق هوارد فيليبس لافكرافت، قمة في الرعب الكوني، قصة مُخيفة وساحرة.

جييرمو ديل تيرو

ويقول نيل بارون وهو مُؤلف وباحث أدبي فاز بجائزة بيلجريم على مُجمل أعماله ودراساته في أدب الخيال العلمي:

رواية بيت على الحدود جولة خيالية تتجاوز قوتها مكوناتها؛ والرؤية الكونية المُتسلسلة فيها مُثيرة للاهتمام، وهي كذلك قصة رومانسية علمية، تصطدم بالتأكيد مع ما سعى لافكرافت- المُعجب بهودسن- إلى تعريفه بالتدوين الحقيقي للرعب الكوني.

نيل بارون

عام 2000 نشرت دار فيرتيجو -وهي خدمة طباعة كوميكس للبالغين تابعة لدي سي كوميكس- الرواية في هيئة كتاب مصور ومُلون من 96 صفحة، بقصة لسيمون ريفيلستروك ورسوم ريتشارد كوربن، وتوفر الكتاب بغلاف ناعم ومُقوى وبمقدمة للفنان والكاتب البريطاني آلان مور صاحب العمل العظيم ووتش مِن، حدث ريفيلستروك إطار هودسن الأولي للرواية (اكتشاف المخطوطة) إلى أيرلندا عام 1952، وبذل جهده للحفاظ على معظم تفاصيل الحبكة الأصلية، وفي صفحة المُشاركين في الانتاج وصف ريفيلستروك نفسه ب(زميل لكارناكي) في إشارة مُباشرة لأعمال هودسن وشخصياته الأدبية الأخرى، وترشح الفيلم المُقتبس عن العمل لجائزة نقابة الرعب الدولية لأفضل قصة مصورة.

المراجع

-أدب رعب ما وراء الطبيعة-هوارد فيلبيس لافكرافت-ترجمة إسلام عماد-دار دارك للنشر والتوزيع-القاهرة-2021

-أرض الظلام-ويليام هوب هودسن-ترجمة محمد الساكت-دار زحمة كُتاب-مصر-2021

– مجموعة مقالات من مدونة williamhopehodgson.wordpress.com

Bleiler, E.F (editor) (1985). “William Hope Hodgson”. Supernatural Fiction Writers. New York: Scribner’s. First Edition.

Bleiler, Everett (1948). The Checklist of Fantastic Literature. Chicago: Shasta Publishers

– Alder, Emily. “Passing the Barrier or Life: Spiritualism, Psychical Research and Boundaries in William Hope Hodgson’s “The Night Land””. in Ramone, Jenni and Twitchen, Gemma, eds. Boundaries. Newcastle: Cambridge Scholars Publishing

– Moskowitz, Sam. Out of the Storm: Uncollected Fantasies by William Hope Hodgson. Donald M. Grant, 1973.

https://nightland.website/index.php/background/essays/198-h-p-lovecraft-letters-mentioning-william-hope-hodgson

https://www.austinchronicle.com/screens/2002-03-08/84931/

حوار مع جييرمو ديل تورو

https://nightland.website/index.php/background/essays/198-h-p-lovecraft-letters-mentioning-william-hope-hodgson

أضف تعليق