قصة حياة رجل راكض

 كانوا ذئاب، وكانوا يُطاردوننى عبر شارع ضيق وسط بنايات منيفة، شارع يتلوه شارع، ألا تخلو الدنيا من الشوارع؟ توعدت السماء السائرين على الأرض بالغضب والثبور، أُنزل المطر، وهبت العاصفة، واقتلعت الرياح ما استطاعت أن تقلع من علامات الأرض والذئاب الذين يُطاردوننى، دعوت الله من كل قلبى أن أفر، أن يرزقنى القوة كى أهرب، فلو فررت من ذئب فلن أفر من الأخر، قطعًا لن أفر من القطيع كله، ماذا أفعل؟ هل أفكر بعقولهم الذئبية؟ فيم يفكرون؟ إنهم حيوانات، لا هم لهم سوى الافتراس فالأكل ثم النوم، ليس لديهم مُتسع من الوقت ولا قدرات عقلية كى يفكروا، ولكنهم يفكرون! وهكذا يُطاردوننى، لديهم هدف ويسعون لتحقيقه، فأين أنا منهم؟
غلبنى ذئب منى، قفز فوقى وثبتنى فى الأرض، حاولت التملص فلم أقدر، كلما رأيت أنيابه الحادة ولمس زغبه جلدى تملكنى الرعب، مد خطمه وكأنه يتنفسنى، يشم رائحة خوفى، إنه لا يُريد افتراسى، لو أراد لفعل بسرعة كما ركض خلفى بسرعة، وجدته يُقرب خطمه من أُذنى، وهمس لى بعدما ظننته سيأكلنى:
– لا يُمكنك احتمال العاصفة.
قلت له من بين أسنانى:
– أنا العاصفة.
تابعته وهو ينصرف، تركنى ومضى فى طريقه الذى أعرف نهايته جيدًا، وهو ما دعانى لاستكمال الركض، وإنى لأغدو أكثر قوة مع كل متر أقطعه.
قالها بيتر بان، “هل ترغب فى مغامرة الآن؟ أم تُريد بعض الشاى أولًا؟” المغامرة هى الحياة، هذا ما تعلمته، الحياة هى الركض، هذا ما أمارسه، الحياة هى الوصول، هذا ما أصبو إليه.
ركضت إلى اليوم الذى تعبت فيه، أردت أن أرتاح لأشاهد فيلمًا أجنبيًا، إن القدر يُحدثنى: لا سبيل للراحة. شاهدت (فورست جمب) يقول أن أمه أخبرته أن المعجزات تحدث كل يوم، بعض الناس لا يعتقدون بذلك، وأنا لست منهم، قررت تحقيق المُعجزة، اليوم سرقت دبابة، إن لم أفعل اليوم فمتى سأفعل، اليوم تنحنى الدنيا بأسرها لى، وأدوس بدبابتى كل من يقف بطريقى.
ثم أصابنى السأم، لم أحظَ بقيادتى للدبابة بنفس متعة الحياة التى أجدها فى الركض، كما أن الدبابة تحتاج إلى الكثير من الرعاية، وقود كى تتحرك، وزيوت تشحيم، وصيانة دورية، وما إلى ذلك، وهو ما لا أحتاج إليه كى أركض على قدمىّ.
وعند ظهور تلك الغابات المُتشابكة، تركت الدبابة وسرت فى طريقى، إلى قدرى، وبداخل الغابة توغلت، ففقدت المزيد من عقلى، ووجدت صفاء روحى، ودعوت الله أن يغفر لى ما أذنبت يداى، وأن يُقل عثراتى، ويرزقنى نورًا من عنده.
وجدت كوخًا بسيطًا عتيقًا وسط الغابة، يحكمه قرد شيطانى، وكأن مارد خبيث قد مس عقله، ويأتمر بأمره بضعة أشخاص، وتعجبت؟ كيف لقرد أن يتحكم فى من هم أكثر منه ذكاءًا، وقدرة على القيادة؟، أجابونى وهم يستخفون بعقلى: إنه شيطان، وما يفعله لا نقدر على فعله، إنه يتسلق الأشجار، ويُسمع صوته من أى مكان فى الغابة، وقد لحق بواحد منا حاول الهرب، فدق عنقه، كما أن عينيه حمراوان، يُصدران ضوءًا أحمر، إنه أحق منا بالقيادة لما له من خواص عجيبة.
ولم يتفكروا فى مثالب كونه قردًا، فإنه لا يتكلم، ولا يقرأ، ولا يعرف الفروق بين الألوان، ولا بين الخير والشر، كما أنه مجنون متوحش، لا بد أنه كذلك، وإلا كيف تشع عينه ضوءًا أحمر؟
قالوا أن السبيل الوحيد لتجاوز الغابة هو دخول الكهف، لكن أحدًا لم ينجح فى فعل ذلك، أو ربما فعلوا ولم يعودوا كى يخبرونهم، لكنهم فى كل مرة يسمعون ذلك الصوت المُخيف، صوت يُهشم العظام ويقطع اللحوم، فقط إن حاول أحدهم عبور الكهف.
وهكذا عرفت، طالما ظللت خائفًا من دخول الكهف، فلن أنال ما ابتغيه أبدًا، هذه هى حياتى، أُقاتل المُستحيل، وأقتحم المجهول، كى أنال مُرادى، فاستعنت بالله، الذى قوى قلبى، ونجانى مما سبق من مهالك، من منع الذئب أن يفترسنى؟ من زرع فكرة رجل يركض فلا يتوقف أبدًا فى عقل مؤلف عظيم؟ من حمانى وأنا أقود الدبابة، أقتل ولا أُقتل؟ من أبعدنى عن القرد الشيطانى، ولم يمس عقلى بسوء كما مُس عبيده؟
لم يكن هذا حُلمًا، كلا، إنها حياتى كما عشتها بالفعل، سأتجاوز كل العقبات، وسأبذل أقصى جهدى مع ما أعطاه الله لى.
وكما قال القائل: الفانتازيا تُصور الرغبة، أما الخيال فيُعيد تشكيلها.
وقد صدق والله.
* هذه القصة مُهداة إلى زوجتى، حيث أوحت لى حُلم رأته بهذه القصة.

أضف تعليق