من الكتاب الثاني من ملحمة فارس الحق

كان حلمًا، ولكني لم أدرك هذا إلا بعد انتهاءه.
رأيت أني ووالدايّ وشقيقايّ في بيت جدتي، وهي شقة صغيرة ضيقة ذات ثلاثة غرف، لا نجتمع هناك إلا نادرًا، الحقيقة أني مقصر في حق جدتي، تلك الحنون، تُقبل جبيني كل ساعة أقضيها عندها، ولا أمُن عليها بدقيقة اتصال لمجرد الاطمئنان، أشم رائحة جدي في تلك الشقة، سريره، مكتبته، نظارته، مصحفه العتيق المكتوب عام 1923، لكن هذا يحدث في يقظتي، أما في هذا الحلم، فالأمر يختلف.
الفوضى سادت المكان، بجوار مكتبة جدي تناثرت الأطباق والأواني المُمتلئة بالطعام، في غرفة المعيشة هناك ملابس تتناثر في كل اتجاه، المطلوب: إعادة ترتيب كل هذا وتعبئتهم في حقائب، والمُغادرة قبل أن يأتوا. من هم؟ لم أعرف على وجه التحديد.
يعرفهم قراء سلسلة ملف المستقبل باسم: كوكب جلوريال، وأعرفهم في روايتي باسم: الجيش الامبراطوري الجاندورالي، إنهم رجال طوال، خُضر الوجوه، قُساة الأرواح من حيث تُسير الأجساد، إذ لا قلوب لهم تُبطن المشاعر، هكذا وصفهم نبيل فاروق، إذ لم استقر بعد على وصف جسدي لهم.
يُقال في الحلم: احزموا حقائبكم، وتسلحوا بالطعام والملابس، أخرجوا من البيوت قبل أن يأتوا ليقضوا عليكم!
من يتكلم؟ لا أدري، لماذا يريدون أن نخرج من المنازل؟ ألن يقتنصونا ونحن نهيم في الشوارع؟ أم نخرج ونعود إلى بيتنا؟ لكنهم لا يريدون لأحد أن يبقى في البيت، وماذا عن جدتي؟ هل نتركها تنام في الشارع؟ لم تدُم الحيرة طويلًا، إذ عرفنا أن الغُزاة بالخارج.
طغت الفوضى على المشهد، وهو ما يدعو إلى التسرع، خرجت إليهم، كانوا في كل مكان، يلتفون حول مُدرعاتهم العملاقة، لا أدري متى أتيت بكل هذه الثقة، وكأني اكتشفت فجآة أني فارس الحق، الحق في عيش الناس بكرامة، وحرية، هذه أمور نعرفها قبل أن نفتح أعيننا ونرى العالم، إنها الفطرة، والفطرة تُرى بعين القلب، لا العين المُجردة، لذلك فقد أغمضت عينايّ، وطرت.
أطلقت أشعتي الزرقاء على كل ما حولي، وهتفت بالناس أن يبقوا داخل بيوتهم، وأن يُقاوموا، دون الخروج كي لا يتعرضوا لأشعتي المُدمرة، رأيت عمي يُمسك بمدفع رشاش، هكذا حسب أن سيُقاوم، ولكنه انتبه إلى الدمار المُحيط بي، فانسحب داخلًا.
حين تُغمض عينيك، لن تُفرق بين الحق والباطل، ستقتل وتُخرب فقط، ولن تنصر أيهما، سمعت صراخ العجائز، ونباح الكلاب التي تتألم، وزفرات جنود جلوريال المُقاتلين.
يقولون: مهما فعلت، فلن تنتصر. قلت: حسنًا، سنرى، لم تنتهِ المعركة بعد.
يقولون: لقد قتلت كثيرًا، سننتقم لهم. قلت: وماذا عن دماء إخواني البشر، ألا انتقم لهم؟
يقولون: سنأسرك، لا تعرف ما بجعبتنا. قلت: أروني، فلن أتوقف حتى يقضي الله أمره.
قال أحدهم: لن تقدر على تحريك جسدك بعد الآن، ستلتف حولك ملايين الخيوط اللا مرئية، أتعرف شعور فريسة العنكبوت حين تُحاصره بخيوطها.
ولم أقل شيئًا، إذ شعرت بما قاله حرفيًا، وكأن هناك من يجثم على ظهري فلا استطيع حراكًا، أخطئت حين أغلقت عينايّ، إذ لم أرى ما يُبطنون لي، رغم الخسائر التي تكبدوها، إلا أنهم استطاعوا تحجيمي في النهاية.
حين فتحت عينايّ أدركت أن المشهد قد تبدل، إذ أرقد على بطني بجوار زوجتي، والجاثم على صدري يزداد ثقله، حاولت تنبيهها، زفرت عدة مرات متتاليات، فقالت وهي تفتح عينيها بصعوبة: ماذا، أكلما راودك كابوس أيقظتني بتلك الطريقة؟
هل استيقظتِ؟ فأيقظيني بالله عليكِ، الحُرية جناحايّ، وحين يرقد الجاثوم فوقي يُقصقص ريشي، فلا أعود أنا، أنا.
حينما من الله عليَّ بالاستيقاظ، اكتشفت أني كنت مُقيلًا، وأني وزوجتي في غرفة الأطفال مع طفلينا، وأن كل ما رأيته هو أضغاث أحلام.
أما آن لحلمك أن يتحقق يا #فارس_الحق؟

أضف تعليق