قد رأيناه 2

في ذات التوقيت.. تقريبًا..
غشا بيتي دخان شفاف، هكذا وصفت زوجتي ما رأت.
سرقتها سِنة نوم خفيفة، إذ رقدت على فراشنا بعد يوم مُرهقٍ مُعتاد، من العمل صباحًا في الصيدلية، والاهتمام بالأولاد، ثم الطبخ والتنظيف والغسيل وكتابة الواجبات والكثير من الضغوط النفسية التي لا يُقدرها الأزواج.
نام الولدان في غرفتهما، وفي غير الوقت المُعتاد للنوم، الساعة السابعة مساءً هي موعد انطلاقهما للعب ليلي أكثر صخبًا، بعد انتهاء أمهما من مهامها، وتفرغها لبعض الوقت.
أما اليوم، فقد غلبهما النوم.
قالت أنها رأت في المنام كابوسًا، كنت معها في الصيدلية نُشاهد فيلمًا قصيرًا مُخيفًا، غير مشهور لمعظم مُحبي الرعب من العرب، اسمه possibly in michigan، وقد شاهدته معي في وقت سابق ولا أعلم لِما تذكرته اليوم، وفيه يتعرض رجل –يتضح لاحقًا أنه أكل لحوم بشر- لسيدتين لطيفتين شكلًا غريبتي الأطوار، يُطاردهما في البداية أثناء تسوقهما لشراء عطورهما المُفضلة وبعض الملابس، ثم يقتحم منزل إحداهن، وبعد حوار قصير تقتله الأخرى، ثم يقطعنه إربًا ويأكلن لحمه، ويُلقين بعظامه في عربة القمامة.
تذكرت كذلك حواري معها أثناء رغبتي في ترجمة نص الفيديو، إذ يُقال في قافية إنجليزية عجيبة، تستغرب فيها إحداهن من الرجل:
Animal! Cannibal!
وكان أن احترت في ترجمة الجملة، إلى معناها الحرفي: حيوان! آكل لحوم بشر! أم ترجمة تحفظ بعضًا من القافية ولا شيء من الميزان: حيوان! آكل إنسان!
قد رأت هذا في حلم! شنيع بما يكفي، لكنه يتناسب مع نوم خاطف ساعة المغرب، حيث تتحرك الشياطين بعدما يصلي الناس أخر النهار.
موسيقاه الشنيعة التي تُحاول الالتزام بالإبداع الفني تتردد في رأسي، كما ترددت في خلفية كابوس زوجتي، وكأن أحداثه تقترب من التحول إلى حقيقة.
ثم استيقظت، لتكتشف ذاك الدخان، ورائحة تُشبه المُنبعثة من جثة قط، تختلط بنفاذية غاز قاتل للحشرات الطائرة، نبضات قلبها المُتسارعة تُزعجها، قامت ببطء تُحاول الإسراع، لتطمئن على ابنينا..
ولكن..
متى أغلقت باب الغرفة؟
لا تتذكر فعل ذلك!
هُناك ظل يتراوح أمام عينيها، من خلف زُجاج الباب الأزرق الخشن، ظنت أني تركت الصيدلية لسبب ما، وأني أغلقت الباب لسبب مُشابه.
الباب مُغلق بإحكام، لا يستجيب لمُحاولات فتحه، نادت عليّ فلم أُجبها بالطبع، أنا بالأسفل في الصيدلية، مع سيدة تُشبه ميليسا جورج، أتت رأسًا من فيلم triangle!
ومن فرط عصبيتها، تزحزح الزجاج ليدخل نور الصالة إلى غرفة النوم، وببصيص ضعيف، أبصرت الرجل الواقف بالخارج!
يرتدي بذلة رسمية، سوداء بالطبع، وربطة عنق كفراشة سوداء مقيتة، ووجه لعبة، كالرجل الذي ظهر في فيلم (ربما في ميتشجن)!
لسنا في ميتشجن، نحن في مصر.
يبدو أني نسيت إخباركم بهيئة آكل البشر ذاك، حينما ظهر بهيئة طبيعية كان ذا شعر بني كثيف وأنيق، يُسرحه إلى جانب رأسه، كعبد الحليم حافظ عندنا، لكن بصورة غربية أكثر، ويتوسط وجهه شارب كث أكسبه سمتًا مُتميزًا مُحترمًا.
وفي أحايين أخرى، ظهر مُرتديًا رأس دمية مُنفرة، دُمية لرجل بالطبع، فمه مفتوح دون انقطاع، تحركاته نفسها غير طبيعية كما قد يليق بآكل لحوم بشر، فعلها بست ضحايا كما اعترف بنفسه، وقد ارتدى في مواضع تالية رأس حمار أزرق اللون، ورأس ضفدع واسع العينين، ورأس كلب قصير الأذنين، وكذلك رأس ذئب، هذا بعدما قُتل ولم ينجح فيما أراد.
كان واقفًا في منتصف الغرفة، يُنظر إليها من بين ألواح الزجاج المُتزحزح.
لا، لا، لا، لا، لا..
اللعنة، الفيلم يتحقق! لكن ما يزعجها فعلًا هو الخوف على ابنيها، حمدت الله أن غرفتهما مُغلقة كذلك.
ولكن.. من أغلقها؟!
انتابتها مخاوف جمة، ربما ارتكب المجنون بالخارج ما لا يُحمد عقباه!
لا، لا، يا ربي، لا..
كادت تصرخ، خاصة وأنها لا تدري أين أكون بالضبط، هل لحق بي ما لحق بولدينا؟!
تنبهت فجآة لهاتفها الذي رقد على الفراش في سبات، وكأن الأمر لا يعنيه، التقطته في التو واتصلت بي.
***
توقف التسجيل الذي استمع إليه، وبرز رقم هاتف آية.
زوجتي تطلبني، سأرد عليها في ثوانٍ.
فاعترضت جيس:
جئت إليك من أمريكا إلى هنا كي تستمع لما يُريد ريان قوله لك، يُمكن لزوجتك أن تنتظر.
تأملتها للحظة، هل أُعارضها أم..
لكن لا بأس، أجِب اتصالها.
سحبت الزر الأخضر يمينًا:
ايهٍ يا حبي؟
سمعت نحيبها وهي تقول:
أين أنت؟ هُناك رجل غريب في الشقة.
ماذا؟ كيف دخل؟
لا أعرف، كُنت نائمة، أسرع.
لا تُغلقي الهاتف.
أخذت المفاتيح وقُلت لجيس:
ستنتظريني بالخارج لبعض الوقت!
ماذا؟
أرجوكِ.
وخرجت من الصيدلية، لتتبعني مُنذهلة، مظهرها غريب بما يكفي.
اجلسي هنا.
وأغلقت باب الصيدلية الزجاجي، هرعت إلى شقتي، بقدر استطاعتي من سرعة.
بمجرد وقوفي أمام باب الشقة، تنبهت لشيء مهم، وهو أني لم أتخذ أي إجراءات دفاعية، هذا خطأ شنيع لكن ما باليد حيلة، فتحت الباب عنوة، لكني لم أجد أحدًا في الصالة، بابيّ غرفة النوم وغرفة الأطفال مُغلقين بالفعل، ربما دخل المُقتحم المطبخ!
فتحت لآية فخرجت خائفة، أمسكت بذراعي وصرخت:
أريد أولادي!
أين ذهب الرجل؟
لا أدري، اختفى فجآة.
فتحت باب غرفة الأطفال، فوجدتهما نائمين بوداعة.
الباب كان مُغلقًا بصلابة غريبة، لم استطع فتحه.
المهم أنكم بخير، لا بد أنكِ عايشتي كابوسًا.
ربما..
وقصت عليّ الكابوس أثناء تفحصي لأرجاء الشقة، لأتأكد أن لا أحد هُنالك.
أتذكرين فيلم triangle؟ السيدة التي كانت تضرب ابنها ثم اكتشفنا أنها في دوامة زمنية ما على متن قارب؟
ذكرني به.
سأفعل، المهم أن هُناك سيدة تُشبهها تمامًا بالأسفل، كانت في الصيدلية فأخرجتها لألحق بكِ.
كيف تُشبهها؟
تُشبهها حتى في ملابسها الضيقة.
هُنا طرقت عدة أيدي على باب الشقة، دون انقطاع.
من هُناك؟
ظننت أنه والدي يُريد الاطمئنان عليّ، أو ليخبرني بانتظار الزبائن أمام الصيدلية، لكني حين وضعت عيني أمام العين السحرية، صُعقت، وتراجعت ببطء.
من بالخارج؟
عدة أشخاص: الرجل آكل البشر، وجيس، والسليندر مان، وذاك الرجل؛ أبطال قصصي!

أضف تعليق