قد رأيناه 3

الفصل الثالث من #قد_رأيناه

تخيل نفسك مكاني.تقف شخصيات خيالية غير مشهورة على عتبة بابك، يطرقونه ولا بد أنهم يرغبون في الدخول، زوجتك خلفك وقد عانت تجربة كابوسية منذ دقائق مع أحدهم، طفلايَّ نائمان، ولو استيقظا سيطالهما الفزع الذي أصاب والديهما.

بالخارج، تطرق أيادي عدة باب شقتي، شخصيات خيالية، اكتشفت مع الوقت وجودهم الحقيقي، أخرهم أكل لحوم البشر من فيلم possibly in michigan، ستجدونه على اليوتيوب، فهو قديم وليس سرًا من أسرار الإنترنت المُظلم، كذلك السيدة جيس، بطلة فيلم triangle التي تسببت رعونتها وعصبيتها البغيضة في مقتل ابنها، ودخولها في لولب زمني، لا سبيل للفكاك منه، هذا ما فهمته بعد مُشاهدتي للفيلم عدة مرات، لكن.. يبدو أنها وجدت طريقة خرجت بها من عودها الأبدي، ليتقاطع طريقها معي، أنا الصيدلاني المصري الشاب، العامل بمجال الصحة صباحًا والكاتب والروائي مساءً، ومن قبلي، تدعي -أو بالأحرى يدعي هاتفها- أنها قابلت ريان بنتلي، شخصية مُثيرة للخيال من شخصيات رواياتي الملحمية، فارس الحق، التي لم أُتم كتابتها أبدًا، لأسباب عدة لا تتعلق بالشغف، المُشكلة هي أني خالفت قلبي على الدوام، وأقنعت نفسي بأن تفكيري في عوالم ملحمتي الروائية هو تفكير خيالي، ولن يكون غير ذلك، حديث نفسٍ بالجهاد، أو سعي نحو مكانة أفضل بين أقراني البشريين، ربما يتلاعب كائن فضائي بعقلي لهدف في نفسه، اختلقت كل الحجج كي لا أُلقي بنفسي من فوق سطح منزلنا، راجيًا رحمة ربي أن أرفرف بجناحي كالطيور، فأُحلق في السماء كما يفعل فارس الحق، أحمد عبد السلام العربي، في أحلامي وهواجسي.

المُشكلة العويصة هي.. أن ريان بنتلي هذا يدعي أن أحمد عبد السلام العربي، يقصدني أنا، هو فارس الحق الذي يتحدث عنه، هذا خطأي، أنا من قررت تسمية بطلي الخارق على اسمي، وقررت أن تنتهي الرواية بالتحامٍ بين روحينا، لم أعلم أن الكتابة التجريبية ستُصيبني بالجنون، وستُظهر أبطالي ليطرقوا بابي.

لم أنسَ إخباركم عن الرجلين الأخرين، لو أنك تُتابع مغامراتي الغريبة في الصيدلية لعرفت وحدك، لكن لا بأس، ربما أنت واحد ممن يُتابعون أساطير الإنترنت الغربية، وقصص كريبي باستا وحوادث تأثير مانديلا، عندها ستعرف الكائنين الغريبين الذين يجتاحان الصيدلية وقتما يرغبان بذلك، أحمد ربي أن أحدًا من أهل الحي لم يرهما عندي، أو وهما يخرجان من بين ركام المدرسة القديمة، يكفي أن سيدة واحدة جائت تحكي لي قصة غريبة تأثرت بها بمنتدى في reddit رأتهم ففرت كالمجذوبة.

أرجو ألا تكون قد فقدت عقلها.

السليندر مان رجل طويل جدًا، نحيف جدًا، يرتدي بذلة رسمية سوداء وربطة عنق شبه أنيقة لولا التراب الذي يُغطيها، لا ترى في وجهه أي علامات تؤكد أنه وجه، لا عينين ولا أنف، فقط فم عريض، وأسنان مُقززة، يرسمه البعض على الإنترنت بأذرع طويلة عن المُعتاد، وأذرع اخطبوط تنبعث من ظهره، لكن هذا غير حقيقي، أعني أني لم أره بمثل هذا الوصف، يدعون أنه يختطف الأطفال ويظهر في الصور الفوتوغرافية من بعيد كي يُخيف من يُرونها بعد ذلك، وهو ما لم أره منه، فباستثناء وجهه المخيف، لا يفعل الرجل شيئًا سوى أن يزورني ليلًا أو في أوقات مُفاجئة، ليُحدثني عن قصصه المُخيفة، ودلائل حدوثها في الحقيقة، يُرافقه بالطبع صاحبنا المُسمى بذاك الرجل، ووجهه الذي يدعي الألاف في كل دول العالم أنهم رأوه، في الحقيقة وفي المنام، يدعوهم لفعل أمور شتى، في حالتي، رأيته لأول مرة في ترام الاسكندرية، وكان معي صديقين لي يشهدان أنهما رأياه مثلي، لم يتحدث معنا، ولكنه كان يبتسم بطريقة مريبة، بالإضافة لتعليق بصره بنا، اختفى بعدها ليظهر بعد عدة أيام أمام باب صيدليتي، كان مشهدًا مخيفًا أن أرى شخصيات خيالية حاولت توظيفها في قصصي أمام ناظريّ، خاصة أنهما اعتادا بعدها قص حكايات مُثيرة للتوجس في كل مُناسبة، وعرفت أنهما يأتيان من ثغرة ما بين العوالم عند ركام المدرسة القديمة المهجورة المختفية خلف أطنان قمامة أهل الحي، يقول ذاك الرجل أن الثغرة في عقلي أنا، لا ثغرة زمانية أو مكانية ما.

وكأن تلك الأمور تنتظر المزيد من التعقيد، وكعادتي تجاهلت الأمر رغم إصراره على طرق نفس النقطة في عدة مناسبات.
أرغمتموني على الثرثرة، والسبب أنكم لا تتابعون ما اكتب، لا بأس، التمرن مطلوب في كل الأحوال، ويُفيد في صقل قلمي للدرجة المُناسبة لسرد ملحمة ذات حظ عظيم من التعقيد والأمل، حكاية مؤسس فرسان الحق.

لم يتوقف أصدقائي بالخارج لحظة عن طرق الباب، ما يُريدونه لا يحتمل التأجيل، لماذا لا يُحاولون اقتحامه ويُنهون الأمر؟ لن يتحمل الأمر خبطات ثلاث رجال مُخيفين، تذكرت الرجال الذئاب الذين هجموا على باب الملجأ في الرواية المُخيفة المهجورة، ليست بوابة لقلعة هوجورتس حسبما أعلم، وربما هذا عين ما أرادوا أن يقذفوه في قلبي، ترقب وانتظار لما هو قادم.

– ماذا تريدون؟
توقفت الطرقات فجآة، وكأنهم ينتظرون سؤالي، أجابت جيس بصوتٍ بدا رخيمًا واضحًا:
– خذ مني الهاتف يا دكتور، واستمع لما يقوله ريان بنتلي حتى ينتهي، تذكر أنه من اختلاق خيالك، بخلافنا.

تبادلت نظرات مُترددة مع أية، تمسكت بيدي أكثر، ترفض بالطبع أن افتح الباب لمجموعة من المجانين، تخيلوا أن يحدث ما رأيناه في أفلام the purge، الأمر سواء حين يرتدي المُهاجمين أقنعة مُهرجين أو وجوه شخصيات مُختلقة، أما أنا فأريد للأمر أن ينتهي، الأمر سهل، نفتح الباب، نأخذ الهاتف ونُغلقه في وجوههم بُسرعة مذهلة، رفضت أية الفكرة، فارس الحق نفسه لا يملك تلك السرعة الخارقة، تخيل أن تُغلق الباب على أكفهم المُحاولة للوصول إلينا، تخيل أن ترى كف سيدة كجيس تقترب في تعاملاتها من كف زومبي لم يتحلل بعد.

حسن، سأرضخ لرأيك يا حبيبتي، لن أفتح الباب، دعيني اتصل بوالدي، الذي يسكن في الطابق السفلي، ولا أعلم كيف لم يسمع لانفجارات القبضات على باب شقتي الخشبي، حاولت الاتصال به عدة مرات لكن الشبكات مقطوعة تمامًا، تلوح نظريات المؤامرة في أفق الشقة حين نربط من يحاصروننا ب(لا يُمكن الاتصال حاليًا!)
– ماما.
ابني الأصغر استيقظ، يبكي وينطق بذات الكلمة كل خمس ثوانٍ، تراجعنا من أجله، لنرى اثنين جالسين على أريكة بذات اليمين.

اثنان آتيان من فيلم يتلاعب بالعقول!

كيف دخلا الشقة يا ربي؟ أحمد الله أنهما لم يتعرضا للأولاد، ولا لنا من حيث لا نراهم، كانا جالسين بكل هدوء، بذات الطريقة التي ظهرا بها في الفيلم.

أتعرفون؟ شاهدت هذا الفيلم منذ شهر واحد، وأزعم أني لم أعرف عنه قبلها، ربما كان هذا سبب ظهورهم!
من سيأتي أيضًا؟ ماري مُنيب بدورها في فيلم حماتي قنبلة ذرية؟!

جيك جايلنهيل، بشخصية دوني داركو، يُطأطئ رأسه ويُنظر إلينا مُبتسمًا، وبجواره الرجل ذا قناع الأرنب، قد بشره بنهاية العالم ومن ثم موت دوني عجيب التفسير، لما هو هنا الليلة؟
– د. أحمد، خذ الهاتف من فضلك، تعرف حكايتي وحكايات من هم بالخارج، لم نأتي لإيذاءك، نحتاج إليك كي تعود الأمور لنصابها.
ابتعدت أية عني وانضمت لولدينا، قلبت كلمات دوني في دماغي ثم سألته:
– أأنت دوني داركو؟ أم جيك؟
– أنا دوني.. من جيك؟
– ماذا تريدان؟ كيف دخلتما الشقة دون علمي؟ لقد تفحصتها بنفسي!
– أنت تفكر كثيرًا يا دكتور، الثغرة موجودة في عقلك، وريان عنده جزء من الحل، استمع إليه، فالقصة لم تُزرع في عقلك بعد.

آه، شاهد فيلم دوني داركو إن كنت لا تعرفه، فلن أُثرثر دون طائل مرة أخرى، لا أكتب لأمُتعك فحسب.
قم وتعلم شيئًا ما.

#يتبع
✋

أضف تعليق