صمت راديوي

36,400,000
ست وثلاثون مليونًا، وأربعمائة ألف!
العدد المتوقع لعدد الحضارات الذكية في مجرتنا، حسب معادلة دريك المشهورة.
كنا نبث كل شيء عنا، الراديو والتلفاز، وتاريخنا وأعظم اكتشافاتنا، منذ ٧٨ عامًا لباقي أنحاء المجرة.
نصيح لنعلن عن وجودنا، وبأقصى ما تستطيع رئاتنا، نتسائل: هل نحن وحدنا؟
٣٦ مليون حضارة! برغم ذلك، انقضى ما يقرُب من قرن من الزمان، ولم نسمع شيئًا.
نحن وحدنا!
كان هذا قبل.. خمس دقائق تقريبًا!
وصل البث على كل تردد هيدروجيني فائق نستمع إليه.
تناغمات فائقة، كأن تضرب النسبة الطبيعية (باي) في ترددات الهيدروجين، وهو أمر لا يحدث في الطبيعة.
هذه التناغمات مُصطنعة!
نبضات الإشارة تروح وتجيء بسرعة عالية وارتفاعات مُتناسقة مُذهلة.
ظننت في البدء أن هذا البث هو نوع من الشفرة الثنائية، واحد وصفر، عددت ١٦٧٩ نبضة في الدقيقة التي ظل البث فيها نشطًا.
ثم.. عاد الصمت.
لم أفهم معنى للأرقام مبدئيًا، بدت كضوضاء عشوائية، لكن النبضات منتظمة تمامًا، وأتت عبر تردد لطالما كان صامتًا!
لابد أنها أتت من مصدر اصطناعي!
استعرضت البث مرة ثانية، وتوقف قلبي للحظة!
١٦٧٩؟! هذا طول رسالة أريسبو بالضبط، الرسالة المبعوثة إلى النجم مسييه ١٣ منذ أربعين سنة.
وبشغف.. بدأت أرتب كل بِت (وحدة ثنائية) في المثلث الأصلي، ٢٣ ضرب ٧٣ يساوي ١٦٧٩، الرقم الذي اختاره فرانك دريك وكارل ساجان وهما يضعان المعلومات في الرسالة، تيقنت في منتصف الطريق من آمالي.
أنها نفس الرسالة بالضبط!
الأرقام من واحد إلى عشرة، على هيئة بِتات، والأعداد الذرية للعناصر التي تشكل الحياة، الهيدروجين والكربون والنيتروجين والأكسجين والفوسفور، والتركيب الكيميائي لنيوكليوتيدات حمضنا النووي.
هُناك من كان يستمع إلينا، ويريدنا أن نعرف أنه هناك!
ثم بُث في روعي، أن الرسالة الأصلية بُثت منذ أربعين عامًا فحسب، هذا يعني أن الحياة تبعُد عنا ٢٠ عامًا ضوئيًا على أقصى تقدير.
حضارة يُمكننا سماعها؟ سيُحدث هذا ثورة في كل مجال عملت فيه؛ فيزياء الفلك وأحياء الفلك، كل المجالات.
الإشارة تُصفر مجددًا.
بطيئة هذه المرة، متأنية، واستمرت لما يُقارب خمس دقائق، وحدة ثنائية جديدة كل ثانية.
ورغم أن الحواسيب تسجلها، بالطبع، بدأت أكتب:
0. 1. 0. 1. 0. 1. 0. 0..
عرفت على الفور أنها ليست نفس الرسالة السابقة!
الاحتمالات تتسابق مع عقلي، ماذا يعني هذا؟
انتهى البث، ٢٤٨ بِت فقط.
رسالة صغيرة جدًا، هل ستحمل أي معنى؟
أي رسالة عظيمة تلك، تُبعث لحضارة أخرى محمولة على ٢٤٨ وحدة ثنائية فحسب؟
بالنسبة لحاسوب.. ملفات بهذا الصغر ستحمل شيئًا واحدًا..
نص!
هل هذا ممكن؟ هل بعثوا لنا برسالة.. بلغتنا؟!
دعنا نفكر قليلًا، لسبعين سنة، كنا نبُثُ كل لغة على وجه الأرض تقريبًا.
بدأت أفك الشفرة باستخدام أول نموذج تشفير فكرت فيه؛ ascii، الشفرة الأمريكية المعيارية لتبادل المعلومات!
0. 1. 0. 1. 0. 1. 0. 0
هذا حرف B!
0. 1. 1 0. 0. 1. 0. 1.
وهذا حرف E!
فهمت معنى الرسالة قبل انتهائي منها، معدتي سقطت مني وكأنها مرساة غطست في بحر.
الكلمات أمامي تشرح كل شيء، وربما لا شيء:
“BE QUIET OR THEY WILL HEAR YOU”
“أصمت وإلا سيسمعونك“

أضف تعليق